Sunday 10 November 2013

البيوت اسرار الجزء الثالث عشر



  



حكايات جدى رغم غرابتها كانت تكسر تلك الرتابة التى تمضى عليها ايامنا
الى ان ياتى امر جديد يلوح بان هناك شئ من الاحداث المثيرة
وقد حدث ذلك
فى تلك الليلة التى ايقنت فيها سوزان وهى تقابل حسان صباحا بالورطة الحقيقية التى لم تضعها فى حسبانها
حسان الابله كما كان يحلو لصديقاتها ان يرددن كل صباح وهن يتغامزن فيما بينهم وجه لوجه امامها
يرتدى جلابيته المعتادة ويضع طاقية خضراء براسه تخرج الكلمات مندفعة من شفتيه ورزازه يتطاير مندفعا نحو وجه سوزان
التى تراجعت للخلف وهى تعود ادراجها نحو منزلهم
التصقت بجدران المنازل الطينية المتراصة جوار بعضها البعض
وحسان يتبعها ويصفق براحتيه شوزان عروشتى الحلوة
تمنت لحظتها لو ان الارض تنشق لتبتلعها
وعيناها تختلسان النظر للطريق والابواب المصنوعة من الزنك
خلف كل باب كان هناك الف ثقب تتطلع منه النساء للطريق مسحت دموعها المتساقطة
وهى تتمنى ان لا تلمحها احداهن من خلف الابواب
لتكون حديث مجلس القهوة النهارية لاولئك النسوة الاتى ماان يحدث
حدث الا ويتسيد مجالسهن
لعنت فى سرها والدها وظروفها وكل شئ حولها
وتمنت لحظتها لو ان النهر قريب لتخلصت من كل شئ فى هذه الحياة
وكسرت ذلك الحصار الذى تفرضه والدتها وهى تحاول بكل الطرق
ان تتبادل كلمتان معها لكن ربيعة كانت تصمم بشدة ان لسانها لن يخاطب ابنتها
وهى تحاول ان تستعجل اخاها حسين المقيم خارج البلاد بالقدوم
والسرة تقدم كل شئ لشقيقها مصطفى
خاصة وانه جعلها تشعر بالراحة وتطمئن على مستقبل حسان
فهى وحاج الامين كان جل تفكيرهم فى ماذا سيفعل حسان اذا حدث لهم مكروه
انانية جعلتهم لايفكرون فى مصير سوزان
حاج الامين قام بتسديد ديون شقيق زوجته لكنه كان يشعر باليأس
وهو يجرجر حسان خلفه فى المناسبات الاجتماعية
لكن فى اخر مرة حدث ماجعله يقرر انها الاخيرة
حين شاغب شريف حسان قائلا ( بقيت راجل ياحسان
غير متوقعا لرد فعل حسان الذى لم يتوانى للحظة
فى اخراج عضوه الذكرى وهو يتمتم
( انا راجل انت ماعارفنى سوف انا راجل انا راجل)
وبدأ يدور فى الصيوان الممتلئ برجال الحى والطعام
الذى احضروهو من منازلهم ليتشاركونه
ويشاركون اهل العزاء
ورزازه يتطاير فى كل مكان
مما جعل حاج الامين يندى جبينه من الخجل لفعلة ابنه فصاح
وهو ينتهره لكن حسان ماان اكمل دورته فى صيوان العزاء الكبير
الذى كان عبارة عن قطعة قماش كبيرة بيضاء
علقت على زواياها مواسير غليظة من الحديد
حتى ركض بعيدا
ومازال يردد انا راجل شعر حاج الامين بالحرج
فظل صامتا طوال الوقت مهموما فى حال ابنه الوحيد
اما بقية الرجال فقد ظلوا يتضاحكون فالامر عاديا
لهم وتلك المشاغبة لم تكن جديدة فقد اعتادوا الامر
مع حسان كلما صادفهم وهو يدور بسوق المدينة الكبير
كانما هم يتلذذون بفعلته
حتى ان البعض لم يكن يتوانى عن فعلها حين مرور الطالبات
فيشق صوت احدهم سوق المدينة
عاليا مشاغبا حسان فيفعل فعلته ليضجوا بقهقاتهم وهمهماتهم الصاخبة
وسط انكسار الفتيات ومن يعبرن من النساء
اما ربيعة فحين دخلت عليها سوزان عائدة ادراجها للمنزل
تسب وتلعن كل شئ شعرت لحظتها ان الفرصة مواتية لها
فبدات فى توبيخها وزجرها قائلة
( قلت ليك لكن مابتفهمى ولا بتعرفى مصلحتك ابوك راجل انانى ومصلحجى
كل البهمه نفسه والقرش اسمعى نصيحتى سافرى مع حسين خالك وماتضيعى مستقبلك )
لحظتها رات سوزان ان والدها راشد بما فيه الكفاية
ليتدبر امره وكل ما خطر ببالها حسان
ورزازه المتطاير تشعر ان الامر فوق طاقتها
بينها ونفسها قررت ان لاتكون كبش فداء لوالدها
لكن والدتها اخرجتها من افكارها قائلة
( انا يابتى زمان لو ماجدك الله يرحمه
ماكان اتزوجت ابوك عايزة انت تضيعى
عمرك مع الابله انا وخالك يدنا ممدودة ليك )
اتفقت الام وابنتها ان تغادر سوزان مع خالها
بل ان تترك الامر برمته لخالها حسين فهو قادر على مجابهة والدها
اذا استدعى الامر كل مايهم ان تكون هى قوية وتقف لجانبهم
الخروج من سطوة التقاليد كان امرا فى غاية الصعوبة
لكن هاهى ربيعة تكسر ذلك الحاجز وهى تقف لجوار ابنتها
اما سطوة الدين التى كانت متمثلة فى جدى مصطفى هى فقط
ماكان يشغل بال سوزان فمازالت تذكر الجد مصطفى
وهو يدعو لها بالبركة والخير لنها هدية ورضية فرغم مافعله والدها
فهى الفتاة المطيعة الهدية التى لم تتاخر للحظة عن تقديم نفسها كقربان
لكن طالما انها ستطير بعيدا بصحبة خالها
فما من شئ يشغل بالها سوى ان الجميع
سيجعلونها حديث مجالسهم
الى ان ياتى حدث جديد يغير ملامح المدينة المتعبة ونهارات نساءها
تمضى مابين القهوة وثرثرات احاديث الليل
الفواجع فى صباحات الاحياء الطينية المتراصة
تاتى بلا مقدمات تقود بعضها البعض كانما هى غلة الفقراء والمتعبين
والفتيات الصغيرات يحاولن ان ينتشلن انفسهن قسرا منها
فى المدرسة المبنية من الطوب الحجرى الاحمر فجيعة من نوع اخر
كانت تنتظر بعض الامهات
المدرسة الكبيرة المترامية الاطراف كانت رابضة فى احد احياء المدينة الهادئة وبعيدة
تمتد المدرسة مابين الطريق الترابى الطويل
شاقة سوق المدينة الكبيرة الى ان تصل الى نهاية ذلك الحى البعيد
فى بدأية الحى ثانوية للبنين
يتجمع طلابها كل صباح ليلوحوا للحبيبات
وتمتلئ اعينهم بفتيات احلام الليل
حين يزورنهم خلسة مابين الصحو والمنام
كانوا رجالا صغار بااشنابهم الخفيفة وقاماتهم السمراء
التى لفحتها الشمس الحارقة
ومخيلتهم التى بها الف جميلة تتراقص عارية
لكن البوح لاياتى الا فى الخيالات حتى الخيال
اظنهم ياهبونه ويغطون اعينهم
وهم يتعوزون من شيطان احلامهم الصغيرة
حين يخلون مع انفسهم
الحى كان مجمع مدارس بنين و بنات
يفصلونهم فى المنازل والاحياء ليجمعونهم فى الطريق الى المدرسة
والا فماذا باامكانك ان تسمى مدرسة البنات الوحيدة محاطة بمدارس الاولاد
من جميع الاتجاهات اظن انها كانت
المساحة الوحيدة الخالية خاصة ان اسوار المدرسة عالية
جدا كانها ثكنة عسكرية اوهى صممت لتكون سجن سابق بجدرانها العالية لو انها كانت للصبيان لوجدنا العذر باانهم يهربون من ساعات الدراسة
الفصول جوار بعضها البعض
كل صف من المبانى كان عبارة عن ستة حجرات او اكثر مابينهم تلك المعامل التى لم يكن بها سوى مجهر واحد يتبادلونه طالبات العلوم
ذلك الصباح كان عاديا جدا لم يحمل اى ملامح والبنات يتجمعن
فى انتظار بداية اليوم الدراسى
الذى مر بلا شئ يلفت النظر
مابين ثرثراتنا وهمومنا الصغيرة
ونهارنا الذى نقضيه بالتطلع للنوافذ حين يشتد بنا الملل
او النوم حين يغلبنا التعب من النهار الطويل الذى يأبى ان ينتهى
اما المحظوظات جدا فهن الاتى يتمكن من مطالعة كتاب او مجلة
وهن يخفينها داخل كتاب المادة
فى ذلك اليوم فرت مجموعة من الفتيات
وتخلفن عن حضور الصف تحت الاشجار البعيدة
او اختبئن فى امكانهم السرية التى لا يكتشفها
احد واذا حدث ان مر الناظر اوالمشرفين
كنا يلزنا بدورات المياه ليشخبطن الجدران بكلمات الاغانى
او بالسهام والقلوب او كتابة اسماء احبائهم
لم يكن غريبا ان تجد قلبين واسمين يشقهم سهم
او تجد عبارات على شاكلة هلكنى هواك او بريدك ياشقى
لم يكن الامر غريبا فهو عاديا بل على العكس كان يشغلنا
من ذلك الخوف الذى ينتابنا ونحن نضع اقدامنا على عتبات
ذلك المكان نحوقل ونبسمل ونتلفت
عقولنا محشية تماما بذلك الخوف الذى يرافقنا و يمتد طويلا من حكايات الامهات
خوف من الشيطان الذى يسكن دورات المياه واماكن تجمع الاوساخ
خوف من
البعاتى ذلك الذى يموت ويعود لاهل الدار

خوف من الختان ومشرط بخيتة القابلة رغم تزيفه وتجميله
بالحناء والهدايا

خوف من الاب والام والجار
وخوف اخر من تلك الالسنة الممتدة بالتقيم كما شاء خيالها
دائرة خوف واسعة وكبيرة جدا محيطة بنا بشدة
حلقة لايمكن كسرها او الهروب منها الا بشيئين الزواج اوالموت
لهذا لا تستغربوا ان تكسر دائرة الخوف فى هذا المكان
لاتستغربوا ان يتفلتن اولئك الفتيات وهم يخربشن بسرور
حيث المكان الوحيد الذى تجد نفسك حر فيه
وبلا رقيب حيث مكمن السحر فى العبارات التى
تبعث الهدوء فى نفوسنا حين تجد احداهن
كتبت عبارة ماقلت ليك فيسرح الخيال بعيدا فى ماهية القول
هذه هى اوكار الهاربات من سطوة المشرفين والناظر
اوكار الحرية كما تسميها نجوى
حرية كان وقعها
صدمة للجميع
والمشرف عبدالرحيم يضبط نجوى وحلم فى هذا النهار الرتيب
وهن يتبادلن قبلة مطولة
ويعتصرن بعضهن
ولهاثهم المحموم يحيل ان يسمعن وقع خطواته ليجدنه فى راسهن تماما
حينها افاقت حلم وحاولت ان تغطى نصفها
الاعلى وهى تعيد اكمام قميصها المدرسى
لكن استاذ عبدالرحيم اقسم برأس
والديه ان تحمل حلم مشد الثدى فى يديها وتسير امامه
تجرجر خطواتها فى رعب
وخوف وراسها الى الارض
ونجوى خلفها تجادل وتبرر اما استاذ عبدالرحيم
فقد امتقع لونه وهو يرتجف من الغضب
وبين الحين والاخر يرفع نظارتيه على ارنبة انفه
ويقوم بركلها بقدمه او صفعها مشيرا بسباته بعد
ان يفرغ غضبه فى ركلاته المتفرقة على انحاء جسدها ان تصمت

من النوافذ تطلع الجميع لذلك الموكب الكئيب بين مشاعر الحزن والخوف
الحزن على ذلك الكم من الفتيات الائى سيجلسن
فى البيوت امر كهذا كفيل بان يجعل كثيرا
من الاباء ينتزعن بناتهن من المدارس
لحضن ابن العم او الخال او بالعدم
لاقرب عريس قادم من قطارات الغربة
اما الخوف فقد كان من المصيرالقاتم الذى سينتظر حلم ونجوى وعائلتيهم
للحظة تخيلت رقية زوجة عبدالباقى
حبوبتى بت الشريف بت عبدالحفيظ ستجدها
فرصة ملائمة لمعايرة رباب بتربيتها اما ام مصطفى
التى لسانها كسير ماكنة الخياطة السنجر كما تسميه
حبوبتى بت الشريف سيهمد قليلا ونساء الحى
سيقلين بلسانهن
رباب
عبدالباقى لااظنه سيزبحها كما يقسم الاباء اظن انه سيكتفى
بتعليقها على زواية المنزل تماما كما علقت فرحة
فى تلك الليلة حين انبرت وجدان تحكى لوالدتها ..
الخبر كان كفيل بان تسحب والدة وجدان ثوبها لتحذر والدة
فرحة ولمذيد من التخويف لاكت الكلمات فرحة
عايزة تكون ليك مريم الشيوعية
شيوعية تعنى الخروج من
باب المجتمع الاخر تعنى للامهات
مريم اخرى
ستبهرهم بااناقتها وعطرها مريم اخرى
تعرف مالها وماعليها وماتريد مريم تمد لسانها
لكل المجتمع بطبقاته المختلفة
قد تعجب جميع الرجال لكن مامن
رجل سيقبل ان تقطع والدته ثديها حتى لايتزوج بها
ذلك الثدى الذى تهدد به الامهات حين
لا تعجبهم عروس ابنهم وخياراته فتبدأ الاخوات
وبنات الاسرة فى مصمصت شفائفهم
اما كبار السن فيبدون بشجرة العائلة
يبحثون فيها فرع فرع
عن فرخة (1) مختبئة
لا يذهب عقلكم للبعيد وتظنون انها تراهات
عقل فتاة صغيرة فالفرخة لاتطير لكنها قد تختبئى فى احدى البيوتات الكبيرة
فهى حقيقة او يمتلكها احدهم ونحن شهدنا احداهن
جدى مصطفى له صبيتان من جار سيده
وجارسيده هى تلك السيدة التى تجهز لها
حبوبتى بت الشريف ثوب الولادة دون ان تسأل عن من هو والد الصبى
ودون ان تتناولها ام مصطفى بلسانها
ودون ان يسأل او يهتم احد سوى عقولنا الصغيرة ونحن نثرثر بحثا عن والدهم
لو اننى نبشت ذاكرتى جيدا
سيصيبكم الرعب
لن تصدقوا ان هذه الحقائق والاسرار الصغيرة
تعبر هكذا دون ان تجذب اهتمامكم
سينبرئ احدكم وهو يهز سبابته ليحاضرنى
فى اننا سكان المدينة الفاضلة واخر سلالة الانبياء
لكننى اؤمن من ذلك الشريط المسترسل امامى اننا
نعشق التناقضات
والاختباء خلف اسوار المدينة الفاضلة
لهذا لن يكون غريبا
ان
تفهم الامهات

ان فرحة ستقصر ثوبها وتحلق شعرها
كمريم مريم العانس كما كن يطلقن عليها

فى مجالسهم مامن رجل استطاع
ان يلجمها لحظتها بغباء سالت حبوبتى بت الشريف عن معنى اللجام
الاجابة لازلت احملها كدمة زرقاء اخفيها من رفيقاتى واسترسل فى كيف سقطت وانا ( 2) انط الحبل
مريم عضو الاتحاد الاشتراكى مريم المحامية كانت تحمل حقيبة يدها واناقتها وعطرها يجلبان لها اللعنة
تماما كاللعنة التى ستحل على نجوى وحلم
فى مكتب الناظر لتتبعهم للبيوت..
بنهاية اليوم الدراسى تجمعت الفتيات
من كل الفصول والاصوات تهمس
الجميع يريد ان يسمع بالتفصيل ماحدث
وانبرين يوصفن ويقلدن الحدث
حركات الايدى تتابع ..
الوجوه تتغير وفقا للحكاية لكن اغرب مالفت انتباهى
ان كل واحدة تضيف للحكاية
شخوص واحداث وحبكة حتى تصل البيوت رواية كاملة
وحدث ماكان انتقل الهمس
للبيوت وجدران الطين والطوب
لكن الشئ الوحيد الذى
لم ينتقل حلم منذ ان غادرت الفتيات المدرسة
وتخلفت بمكتب المدير لتحمل رسالة لولى امرها لم تعد هى ولا الرسالة
اما نجوى فلم تعد لمقاعد الدراسة لا هى ولا حتى ولى امرها
والدة نجوى اعتبرت الاشاعات المقرضة تستهدف
ابنتها فهربت بها لتقيم مع خالتها بمدينة الخرطوم
تلك المدينة الكبيرة فلا احد سيهتم
من اين اتت نجوى او يسأل ماذا فعلت على الاقل الى ان تجد الستر
الستر الذى تستفتح به حبوبتى بت الشريف
صباحها وهى تضع البخور والملح
فى وعاء كبير لتدور وهى ترش عتبات المنزل من كل الجهات
وتتمتم بالدعاء لجلب الرزق والستر ودرء العين .

No comments:

Post a Comment

Powered By Blogger